د.اسمهان ماجد الطاهر
يتساءل الشباب بحيويتهم الجميلة واندفاعهم الطبيعي في الحياة، لماذا لا تتحقق الامنيات بسرعة، والاحلام عندما نذكرها بصوت عال لما تتلاشى، قد يكون صدى الصوت هو من اعتاد سرقة احلامنا. لماذا يطول انتظارنا للاشياء وتتأخر. لما ما زلنا نحلم ونتمنى ولا نستطيع العيش بدون احلام وامنيات ننتظرها كما تنتظر الاشجار المطر.
ماذا نخبر الشباب هل نقول لهم توقفوا عن الامنيات وأملأوا قلوبكم بالملل، حتماً لا.. يعز على قلبي أن اجد شبابا في أوج حيويتهم يتحدثون عن المستقبل بضبابية، ينكرون على انفسهم حق التمني وتوقعاتهم يصاحبها الخوف من الفشل أو البطالة. كم من الكلمات الملهمة يحتاجها هؤلاء الشباب ليدركوا أن ايامهم لن تكون ممتلئة بالخيبات وأن البشر لا يصلون الى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب وأن الارادة القوية والتسلح بالعلم والمعرفة والرغبة في النجاح هي ما تضمن للشخص أن لا يطيل التوقف في تلك المحطات.
الحكمة تقول علينا اتقان فن الصبر والإنتظار فجمال ومتعة الحياة بالسعي فيها، ولن نشعر بقيمة الراحة الا اذا شعرنا بالتعب والمشقة، عندها يصبح للراحة معنى وقيمة وطعما مختلف، فتبادلية الاحداث تخلق الاحساس بقيمة الطيب منها. ومن اجمل الإنتظار ما تحدث عنه محمود درويش حين قدم قصيدته انتظرها فقال «بصبر الحصان المُعد لمنحدرات الجبال انتظرها» بإختلافية ما ننتظر ومن ننتظر.علينا تعلم الصبر خصوصاً وان في الحياة جبال وعرة عديدة تحتاج قوة وارادة وصبراً كثيراً للمرور بها. وفي حقيقة الامر لو خلقت الارض التي نعيش عليها مثلاً منبسطة بدون جبال وهضاب ومنحدرات لفقدت كثيرا من آلقها وجمالها.
علينا اقناع انفسنا قبل الآخرين بأن الجمال سيغلب القبح في الحياة، وأن الصدق سيهزم الكذب، وأن النور سيمحو الظلام، وأن النظر الى الجزء الممتلئ من الكأس يريح النفس، كما أن هناك وجها مشرقا لكل حدث أو تجربة نمر بها في الحياة علينا البحث عنه والتركيز عليه وترك ما يزعج النفس أو على الاقل محاولة الخروج بعيداً عن ضيق النفس قدر ما نستطيع.
نحتاج أن نحظى برحيل حر الى خالق هذا الكون العظيم لرؤية الاشياء بفطرتها الطبيعية الجميلة، علينا الرحيل الى الله بروحانية وايمان عميق يمكننا من كسر مرايا العجز والقسوة، وقد نكتشف أن بريق الاشياء من بعيد لا يعني انها ذهب، ونتبنى قناعة أن الدنيا دار ممر لا مستقر ونبقى ماضين قدوماً وفق منهج اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً واعمل لأخرتك كانك تموت غداً. كم نحن بحاجة الى مدارس في الحفز والالهام.
في احدى الصباحات المشرقة والدفء يعم الكون والشمس تتراقص بين الاشجار كغزالة معتدة بقوتها وجمالها، انطلقت كلمات من المذياع لاحدى مقدمات البرامج الاذاعية الصباحية، كانت تقول معظم الاردنيين يعانون من الاكتئاب، كانت تقول ذلك وتؤكده بحماس شد انتباهي، وقالت من لا يعاني من اكتئاب عليه الاتصال بنا لإخبارنا.
في الحقيقة لم املك الرقم كنت أريد أن اخبرها أن هناك عددا كبيرا من البشر سعداء وراضون بما كتب الله لهم، اردت كثيراً أن اخبرها أن الروحانية والتأمل في جمال الكون يمحو كل إكتئاب. تمنيت أن اطلب منها أن ترسل للمستمعين كلمات صباحية مشرقة بالفرح لتنثر قوة نفسية وطاقة إيجابية، فقد تكون الكلمات الجميلة الطيبة سبباً في مسح حزن قلب أو كآبة روح .
لما علينا أن نعمم خبر الاكتئاب بحماسة، والاجدر أن نتعلم نشر الالهام والتحفيز النفسي للبشر. أن بث هدوء النفس وقوة الروح والارادة، وارسال مفاهيم تدعو الى تعلم الصبر وانتظار الجميل من الاشياء لهو ثقافة مطلوبة بقوة . أن التفكير بالاحداث الجميلة قد يقربها ويجعلها تُعرج علينا وأن بخيال.
نحن كبشر نعيش بإنتظار كثير من الأشياء ونحمل توقعات عديدة لما لا تعود ارواحنا تتوقع الخير لتبقى جميلة كحديقة في أوج زينتها. اكرموا من تعرفون بكلمات جميلة وأفعال أجمل فهي الباقية كصدقات حتى بعد الرحيل.
الجمال موجود في الكون العظيم فإذا تأملنا عظمة خلق السماء والارض وعودنا انفسنا وعقولنا أن تختزن هذا الجمال سينعكس ذلك في تحديد معايير جديدة لجمال النفس تنعكس في كل تصرف أو عمل نقوم به وتملأ الروح رضا ويقين.
علينا المضي بالحياة بعزم وعمل الاشياء برغبة حقيقية وعدم التخلي عن اهدافنا وعن اصرارنا على النجاح، فالإعاقة الحقيقية هي اعاقة العزيمة. حين ننتظر الفرح والخير سيعرج علينا للزيارة ولبث طمأنينة في النفس، والاحلام هي اهدافنا التي تشبه نجما مضيئا يرشد ارواحنا مهما اشتد العتم.
[email protected]